أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من القيمرية إلى مشفى الموت: حكاية المهندس "وسام الزيبق" بين الحلم والجحيم

الزيبق

في حي "القيمرية" الدمشقي القديم وُلِد المهندس "وسام الزيبق"، ونشأ في كنف والدته وأخته الطبيبة بعد فقدان والده، محاطًا بأحلام بسيطة وشغف عميق بالفكر والفلسفة. حاملًا طموحات وطنية ومهنية، حتى جاء اليوم الذي انقلبت فيه حياته رأسًا على عقب.

في مطلع عام 2012، قرر الزيبق الإلتحاق بصفوف فيلق الرحمن ضمن صفوف الجيش الحر مؤمنًا بعدالة الثورة ومطالب الناس.

لكن الحرية لم تدم طويلًا، فقد تم اغتيال خاله اللواء كمال أبو الخير الذي كان أحد أبطال حرب تشرين التحريرية بطلق ناري في الرأس في مدينة حمص وسط تعتيم إعلامي كامل، وهو الذي كان السند والدعم له، ليبدأ فصل أكثر مرارة في حياته ما زالت آثاره ماثلة في ذاكرته ووجدانه.

الاعتقال في فرع الميسات
في الثالث من نوفمبر عام 2013، اقتحمت دورية من الحرس الجمهوري منزله، بعد أن كُسِر الباب بالقوة. تم اقتياده معصوب العينين ومكبّل اليدين إلى فرع الميسات للأمن السياسي، وهناك بدأت رحلة من التعذيب الممنهج والانتهاك الإنساني.

ويروي الزيبق لـ"زمان الوصل " أن العميد رياض حسن، رئيس الفرع، كان من أكثر الشخصيات عدوانية، إلى جانب كل من الرائد علي صالح، والرائد وسام العلي (المسؤول عن التحقيق)، والعقيد فائق (المشرف على التعذيب)، إضافة إلى ثلاثة مساعدين أول هم: أنيس، عبده، ونصر أسبر المعروف بـ"أبو إبرة"، والمساعد الأول خالد العنتبلي الذي كان يكتب تقارير الاعتقال.

الشبح بالخيط والإبرة
واستدرك محدثنا أن جلادي النظام اقتادوه إلى زنزانة انفرادية تقع في الطابق الثالث تحت الأرض، لا نوافذ فيها، ولا يعرف فيها الليل من النهار، سوى من خلال وجبة الإفطار عند السابعة صباحًا، وأصوات التعذيب ليلاً، وجلسات التحقيق عصرًا.

ومن أساليب التعذيب التي تعرض لها-كما يقول- الشبح بالخيط والإبرة: حيث كان المساعد نصر أسبر يخيط كفَّي وسام من الظهر إلى البطن بالإبرة والخيط، ثم يُعلَّق من قدميه بالسقف، فيسيل الدم وتُسلخ الكفوف، قبل أن يُقطع الجلد المتسلخ بمقص حادّ.

وبساط الريح: توصيل الصدمات الكهربائية إلى جميع أنحاء جسده العاري، ما كان يؤدي إلى ارتجافه على "البساط" وكأنّه يطير.

وكذلك التعليق والدوران: حيث يتم تعليق المعتقل من قدميه في السقف مع تعريضه للضرب المبرح بالجنازير من قبل أربعة جلادين.

والدولاب: فيتم ربطه بإطار سيارة ثم ضربه بأسلاك كهربائية في مختلف أنحاء جسده.

وهناك طريقة النوم على الجثث: إذ كان يُجبر على النوم فوق جثث من قضوا تحت التعذيب، قبل أن تُنقل في شاحنات إلى "برادات مشفى الموت 601".

التحقيق والإذلال
جرى التحقيق مع المهندس "وسام الزيبق" على يد الرائدين وسام علي (من الطائفة العلوية) وطارق (من منطقة التل)، وسط موجة من الشتائم والإهانات التي لا يطيق اللسان ذكرها.

بعد خمس سنوات تقريباً اقل او اكثر قليلاً دخلت في غيبوبة من شدة اهوال ذلك الفرع الذي كان رئيسه قد جعل منه فرعاً مختلفاً ومتميزاً عن غيره و كأنه سلطة بذاتها فلم يكن من المسموح الدخول اليه الا بإذن خطي او حتى الاقتراب منه وحتى مشفى أمية كان لا يسمح بالدخول لها إلا بعد الموافقة الامنية من الفرع السيء الصيت إذ يكاد هذا الفرع يقترب في أهواله وصنوف الإجرام فيه من سجن صيدنايا المعروف.

ويقول الزيبق :"تم نقلي الى مشفى 601 مشفى الموت وكان هنالك بناء فيه خاص بالمعتقلين وجرحاهم ومن أشرف على الموت منهم كذلك كان للمشفى معتقلين خاصين به، وهذا البناء كان هو الابعد عن الباب الرئيسي للمشفى بعيداً قليلاً عن مبنى العيادات وغيره من المباني.

في هذا المشفى سيء الصيت كان الزيبق شاهداً على عمليات تعذيب وحشية وقتل وتصفية للكثير من الثوار، وكان هذا المشفى بمثابة فرع مخابراتي ومركز لتجهيز جثث آلاف المعتقلين قبل "توريدها" إلى المحارق.

وتحول هذا المشفى الذي أطلق عليه زوراً اسم "يوسف العظمة" بعد نحو من اندلاع ثورة السوريين إلى مركز للتعذيب والقتل، وبات لاحقا "يضاهي" أكبر فروع المخابرات في ذلك.

6 آلاف ضحية في سنتين
وكشف المصدر أن هذا المشفى سيء الصيت شهد تصفية 6 آلاف شخص خلال سنتين وأغلبهم معتقلين جرى تعذيبهم وتصفيتهم في المشفى ذاته، وليس في فروع الأمن، في حين إن نسبة قليلة كانت تأتي من بعض الفروع.

ووصف الناجي من الموت المشفى المذكور بأنه كان "خط انتاج للموت" مستقل وقائم بذاته، تحت إشراف ثلة من الضباط و"الأطباء" يتقدمهم مدير المشفى "العميد الطبيب "غسان حداد" وضابط الأمن "العميد طه الأسعد"، وضابط الإدارة "العقيد شادي زودة"، الذي حل مكان "العقيد حسين ملوك" والدكتور "رامي سلوم" والدكتور "ناصر بركات" والدكتور "رامي محسن".

وروى محدثنا أن الشاحنات التي تحمل الجثث كانت تدخل فارغة من الباب الرئيسي وتمضي إلى الرحبة وبعد نحو ساعتين تغادر محملة بالجثث، لكنها تخرج من باب كبار الشخصيات (باب مطل على طريق قصر الشعب، ومخصص لدخول كبار ضباط المشفى وكبار المسؤولين، ثم تتجه هذه الشاحنات إلى مشفى "حرستا" حيث توجد محارق تحيل الجثث إلى رماد.

تحميل الجثث
وتابع الزيبق واصفاً أهوال الموت والجحيم داخل المشفى أن "تحميل" الجثث كان يتم بحضور ضابط الإدارة ملوك، فضابط الإدارة هو من يملك سجل أسماء من تمت تصفيتهم، وهو المخول بمطابقة ما لديه من أسماء مع ما دُوّن من أرقام على جثث الضحايا ترقيم الضحايا دون إعطائها أسماء قدم للنظام عدة "فوائد"، من بينها إخفاء هوية الضحية كليا، بحيث لايستطيع أحد التعرف إلى صاحب الجثة عبر اسمه، مع صعوبة التعرف إلى الجثة عبر شكلها، لأن الجثة غالبا ما تكون مشوهة ومتغيرة بشدة، كما إن الترقيم منع أي فرصة لـ"التلاعب" وتدوين اسم شخص حي على جثة رجل تم قتله.

عقاقير قاتلة
ومن أشكال التعذيب التي تطال المعتقلين وبخاصة الجرحى منهم من الجيش الحر هو حقنهم بعقاقير طبية قاتلة على مدار عدد من الاسابيع للإجهاز عليهم ولكن بشكل بطيىء أو بعقاقير الهلوسة التي تسبب خلال أشهر مرض الذهان.

وروى الزيبق أنه حقن خلال سنة من اعتقاله بتلك المستحضرات القاتلة ولكنه تمكن بفضل الله من الصمود حتى يوم التبادل و الإفراج عنه وعن باقي المعتقلين من الثوار.

وخرج وسام الزيبق عام 2019، محطم الجسد، لكن بروح قوية، واليوم، وبعد سقوط النظام ، لا يُخفي فرحته بانتصار الشعب، ويأمل حياته الطبيعية قبل الإعتقال حاملاً جراحه وآماله، وفلسفة وطنٍ يستحق الحياة.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(25)    هل أعجبتك المقالة (20)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي
OSZAR »